Wednesday, June 29, 2011
ف البدء كانت نرجــس


نرجس .. تلك القطة التى كتبت عنها منذ ثلاثة أعوام ، حين كنت أمر بحالة مُبالغ فيها من الحزن إثر افتقادى الرجل الذى أُحب للمرة الأولى ، وحدها نرجس بطلة الحكايا من رأت معى أن غيابه قاسى ، مُفجع ، همجى ، و ملموس . وحدها هى من رأت أن كل ما أمر به عادياً و منطقياً ، و أن جنونى لم يكن بذاك القدر من التطرف الذى يُصوره آخرون ، فجلست بجوارى 25 ليلة و ليلة - هى عمر غيابه - تموء مُعلنةً أنها تفهم جيداً ما أمُر به لتمنحنى المؤازرة و السلوان ، حتى أنها فتحت لى أبواب نَـص هو الأطول فى تاريخ كتاباتى ، النص الذى ظللت اكتب فيه يومياً طوال البعاد ، هكذا جاءت نرجس قبل العمر بكثير

من يومها و شبحها يحوم بالأجواء ، أصطدم به هنا و هناك ، حتى أننى كنت على يقين من أننى - من لا تُحب القطط - فى حياة أخرى أقتنى قطة اسمها نرجس ، تُشاركنى أفراحى ، أحزانى ، دموعى ، و أمنياتى . بل و بما لا يليق لها كقطة لا يشغلها سوى ما يُعنيها تُخالف كل التوقعات و تعرف - تماماً - ماهية أمنيات و احتياجات الأنثى فى هذه الحياة لتستطيع بمنتهى البساطة أن تتوحد معى و تُخفف عن كاهلى ما يفوق الاحتمال ، فكان بديهياً أن اكتب عنها مرة أخرى وقتها

و اليوم بعد عامين و نصف حققت الحلم القديم و اشتريت قطة ، قطعاً أسميتُها نرجس ، و لا أدرى إن كان هذا قراراً صائباً أم لا ، فبهذه الفِعلة أنفخ فى إحدى بطلات حكاياتى روح الحياة مُنتظرةً منها ألا تُخيّب توقعاتى ، أن تُحقق لى كل أمنياتى القديمة فأحرمها من حقها فى أن تكون هى كما تريد أن تكون

و ها أنا الآن اكتب عنها نصاً و هى تجلس بجوارى فى اطمئنان لا تعرف شيئاً مما أخفيه عنها ، تمسك طرف ثوبى بمنتهى الثقة أننى سأساندها و أدلها على الطريق ، لا تعرف أننى أُعد لها نصاً مكتوباً عليها أن تسير على نَهجِـه ، كما لو كانت كومبارس لا يعنينى منها سوى الالتزام بالاسكريبت المُعد مُسبقاً

**

Cut

**

نرجس .. لا تُصدقينى أبداً مهما أخبرتك إنكِ تلعبين فى حياتى دور الكومبارس ، أعلم أننى ترددت كثيراً قبل أن أجعلك واحدة من أسرتنا الصغيرة لكن هذا لأننى كنت أعرف كم أحتاجك و كم سيصبح شاقاً عليكِ أن تمنحيننى كل ما أنتظره منك . قد أكون لكِ أماً تهتم بصحتك و طعامك و شرابك لكنك بالنسبة لى أهم بكثير ، أحتاجك نرجس فوق ما قد تتصورين و الآن أكثر من أى وقت مضى

أحتاجك كى تُحققين لى حلماً خيالياً كتبته فى نص أدبى يوماً و تشبثت به من وقتها ، كى تُشاركين أنس - ابنى البِكر و رجُلى الثانى - حياته فتمنحينه سعادة يستحقها و أتمناها له ، كيف لا و هو الرجل الوحيد الذى استطاع أن يجعلنى أرى كل العالم بشكل مختلف . أحتاجك كى أمنحكِ فائضاً من حبى و حنانى ، كى أُخضع معكِ أمومتى لاختبارات عديدة و جديدة ، كى أنخرط معكى فى دوامة ( الأم - البنت - الأم ) فنمارس معاً كل الأدوار وقتما نشاء ، فتضعين فوق كاهلى كل مسئولياتك و احتياجاتك فأنشغل بكِ و تشعرين تجاهى ببعض امتنان ، و الأهم أن أضع أنا فوق كاهلك حزنى و حلمى السرى فتُخففين عنى وطأتهما

نرجس .. أنتِ بالنسبة لى لست مجرد قطة صغيرة جميلة تُسلّينى بأيامى ، أو أمنية طفولية تحققت فى زمن صار فيه تحقيق الأمنيات ليس ببساطة تَـمَـنّيها ، و لا حتى أنتِ مجرد بطلة من بطلات حكاياتى دائمات المرور أو مُلهمة تضعين داخلى بذرة نص كهذا بل أنتِ أكبر و أهم من ذلك بكثير ، أنتِ لى يا نـرجــس بمثابة درجة أخطوها كل يوم فى سلم الصبر ، ذلك السُـلَّم الذى لا ينتهى

 
posted by Yasmine Adel Fouad at 6:02 PM | Permalink |