لم تكن صباح تملك أى شئ فى الحياة أو هكذا اعتادت أن تخبر نفسها مما جعلها تعيسة معظم الوقت . فى الحقيقة هى لم تكن تملك شيئاً بالفعل فما من أموال فى البنك أو مسكن باسمها ، و لا وظيفة أو حتى شهادة تساعدها على الاتحاق بأى عمل إن اضطرتها الظروف ففى أى شئ قد تحتاج أياً من هذا طالما هى تعيش آمنة فى بيتها وسط أشخاص من المفترض أنهم تعهدوا بحمايتها !؟
و لأنها عاشت معظم فى الغربة تلخصت علاقتها بأسرتها فى زيارات خاطفة فى الأفراح أو المآتم و بعض المكالمات التليفونية المختصرة كل فترة قبل أن تُقدم شركات الاتصالات عروضها السخية من عينة كلم أى رقم طول النهار ببلاش بعد أول 3 دقايق من أول مكالمة .
لا .. صباح لا تعيش وحدها ، بل هى زوجة و أم لأربعة أبناء فى الغالب لم تفلح فيهم التربية هكذا تردد صباح و زوجها طوال الوقت ، لكن إذا تحرينا الدقة سنجد الأبناء يفكرون بطريقة مختلفة تماماً عن طريقة الأم و الأب لذا يبدو الأمر على الدوام للجميع كما لو أنهم لا يتفقون أبداً مثل أسرة مُفككة .
كل هذا كان كفيلاً أن يجعل صباح تشعر بالوحدة المستمرة حتى وسط أسرتها الصغيرة خاصة حين استيقظت بعد مرور أهم سنوات عمرها على زواج أبنائها ، لتجد نفسها وحدها بمعنى الكلمة ، فبرغم أنها مازالت ترى أبنائها صغاراً عُرضة للخطأ و فى احتياج مستمر للمتابعة و النُصح إلا إن الأبناء كانوا واضحين للغاية حين حاولت التدخل فى أول مشكلة واجهتهم مُعلنين أنهم قد كبروا و صارت لهم حياتهم الخاصة ما يجعلهم مؤهلين لاتخاذ قراراتهم بأنفسهم .
هكذا عادت حياتها لنقطة البداية فقط هى و زوجها ، لتتفاجأ بأنهم تغيرا كثيراً طوال الرحلة و أن انشغالهما بالطريق غض بصرهما عن كل الاختلافات و العقبات التى كانت أى واحدة منها كافية لهدم تلك الأسرة منذ البداية ، و لم تعرف ماذا عليها أن تفعل !
بسذاجة إمرأة ريفية لم تُحدثها أمها قط عن احتمالية الفشل فى علاقة زوجية أو إمكانية الانفصال ظنت أن الأمر بسيط و أن كل ما يتطلبه هو إزالة الأتربة عن المشاعر القديمة لكنها قطعاً كانت مُخطئة ، فكيف كان لها أن تعلم أن تحت أكوام الأتربة عششت الثعابين فى انتظار أول يد تقتحم جحرها متأهبةً للدغ !؟