Saturday, August 20, 2011
ســــارة


( 1 )

ســــارة عبد السلام .. إمرأة ثلاثينية عادية تماماً ، ربما تكون اصطدمت بها يوماً فى طريقك دون أن تلتفت إليها . قد يرجع ذلك إلى أنها لا تهتم بمظهرها كثيراً أمام الأغراب حيث تخفى أنوثتها إلا عن الرجل الوحيد الذى تُحبه أو لأنها تعلم أن كل ما تمكله فى حياتها مجموعة من الأفكار الخاصة جداً تحرص على ألا تُفصح عنها سوى لبعض المقربين

لا أحد يعرف قصة حياتها كاملة ، مع كل صديق أو قريب ستجد قطعة من " مُكعبات " حياتها ، وحدها هى فقط من تعرف أصل و فصل الحكاية ، حكاية تخلو من المنطق و يُغلّفها الجنون المُطبَق ، ما يجعلها تُعلن لنفسها طوال الوقت أمام المرآة كم هى محظوظة لكونها مرّت بكل ذلك ، فحياتها كانت النواة الأولى و الأساسية لخيالها الخصب ، كيف لا و كل تجربة عاشتها تصلح أن تكون قصة حياة مستقلة !؟

( 2 )

هى إمرأة القصص المَخفية ، و أى شئ ستقُصه عليها مهما كان صغيراً أو لا يُذكر سيُذكرها بالتبعية بحكاية ما مرّت بها كانت ذات أثر فى حياتها ، إن حكتها لك ستجدها كافية كى تمنحك مغزى ما يُنير لك دهاليز دواخلك المظلمة أو يُبدد جزء و لو قليل من حيرتك

أسرارها بسيطة و لا تُعد و لا تُحصى ، على سبيل المثال : هى لم تُخبر أحداً مطلقاً أنها تبكى من فرط سعادتها ، هى نفسها لم تكن تعلم ذلك إلا بعد أن دخل " أدهم الشنّاوى " حياتها ، الرجل الوحيد الذى رأى ذلك بعينيه بضع مرات ، و رغم تكرار حدوث الأمر أمامه إلا أنه لم يفقد اندهاشه إزاءه قط

( 3 )

فى البدء كان الأمر يقتصر على دموع قليلة تذرفها " سارة " حين تلمس أفق السعادة القصوى مع الرجل الذى تُحبه ، مع الوقت بدأ الأمر يتطور لبكاء هيستيرى مُقلق ، تتذكر جيداً أول مرة بكت معه بشدة إثر نوبة عشق انسيابية هادئة ما أقلقه كثيراً و حين سألها عمّا حدث يستحق كل ذلك البكاء أجابته : " أنا أبكى من فرط سعادتى ، فالآن فقط أعرف كيف يشعر المرء فى الجنة و لا أجرؤ على تصديق أننى كبَشر أخوض معك تلك الرحلة ، أبكى لأن تلك السعادة ستنتهى بعد قليل و لا أتخيل كيف يمكن أن أترك لحظة مثل هذه تصبح ماضى هكذا ببساطة ! أبكى لأننى لا أريد لهذه الحالة أن تنتهى أبداً أو أن يُعكر صفونا أى شئ فى العالم بعد الآن ، نعم أعرف أننى لن أنسى أبداً هذه اللحظة الفريدة لكننى كذلك لن أستطيع أبداً استحضار هذا الشعور الإعجازى مرة أخرى من تلقاء ذاتى .. بالله عليك أخبرنى كيف لأمرئ ارتاد الجنة أن يعود مرة أخرى للأرض ليأكل و يشرب و يترك الحزن يتسرب داخل قلبه من جديد !؟ "

( 4 )

كانت سارة مجنونة لدرجة أنها اعتادت طوال الوقت أن تفكر فى الانفصال عن الرجل الذى تُحبه بجنون فى أوج علاقتهما ، الرجل الوحيد الذى اكتشف كنوزها ، امتلك كل مفاتيحها ، و عرفت معه كيف يمكن للمرأة أن تكون سعيدة .. لم يغفر له أياً من ذلك و من وقت لآخر كانت تُفاجئه فى أشد لحظاتهما سعادة و تسأله بمنتهى الجدية عن رأيه فى الانفصال ، فتقول : " إذا كان لابد لنا يوماً من الافتراق إذن فلنفترق الآن ، هذا هو الوقت المناسب بينما نحن فى تمام الرضا عن علاقتنا و بعضنا البعض ، تماماً مثل فنان اعتزل مهنته فى عز مجده الفنى ليظل جمهوره يتذكره طوال الوقت كنجم ، دعنا نرحل عن حب ، فما من داعى أن ينتظر العُشاق حتى ينتهى بهم الأمر إلى الكراهية ثم يفكرون وقتها فى الرحيل حين يكون هو الحل الوحيد "

( 5 )

هى إمرأة تُعانى من فوبيا المرتفعات فلطالما كانت تخاف السقوط من أعلى سطح الأحلام و الأمنيات نحو قاع الواقع المُفجع ، رُبما لأنها لم ترَ أى قصة حولها استمرت شمسها ساطعة حتى النهاية ، فلماذا تقنع نفسها أنها ستكون الاستثناء ! قطعاً لم يكُن هناك أسوأ من أن تستيقط يوماً و كأن شيئاً لم يكُن

فكيف لا تفكر أن تترك رجلها و ترحل و هى التى لم تعرف فى حياتها سوى وَحشة الفقد ، مرارة الحزن ، و رائحة الحنين !؟ مُفردات كلها قاطعة لكنها مع الوقت صارت مألوفة ، لذلك كانت كلما وصلت إحدى قمم السعادة .. بَكَت ، فلطالما تصورت السعادة فى مخيلتها كعرش المُنتهى إذا ما تربعت فوقه ستبقى هناك للأبد جزاءاً على تعبها و إصرارها على الوصول ، لم تكن تعرف أنها ستصل مُبكراً ، والآن .. أين عليها أن تذهب !؟

( 6 )

كل ذلك كان كافياً لها أن تظل فكرة الرحيل تُطاردها طوال الوقت ، كانت تملك من الصدق مع نفسها ما يجعلها تعرف كيف أصبح هو فى حياتها بمثابة " المُخَـدّر " . اختفاؤه او حتى قلة وجوده كافى أن يضعها على أعتاب حالة من الضياع ، الإحباط ، الانكسار ، العصبية الشديدة ، و من ثَمّ الانفجار . بينما وجوده بالكم و الكيف الذى يُرضيها يجعلها فى حالة من " الإيفوريا " لن يُصدقها أحد ، لذلك ظلت طوال الوقت تخاف منه و عليه

( 7 )

كانت تعرف أن كل تلك الأفكار لا تنبُع سوى من إمرأة مجنونة ، لكنها كذلك كانت تُدرك أنها مجنونة عن صدق لا عن مرض ، غير أنها لم تعرف أبداً إذا ما كان جنونها هذا يُخيف من حولها أم أنهم يرونه أمراً عادياً لا يُشكّل أى فارق أو حتى إحدى مميزاتها مثلما يُخبرها بعض أصدقائها المجانين

هكذا كان لابد لها من أن تسترجع قوتها و شجاعتها و تعود لموطنها الأصلى حيث الحزن و الوحدة التى تعرف كيف تفك شفرتهما بمفردها تاركة له عتبات السعادة التى مهما بلغت منها معه ظلت حديثة العهد بمفرداتها العديدة . كانت تعلم أنها برحيلها ستخسر النسخة الوحيدة من المرأة السعيدة التى اكتشفتها بداخلها ، و ستفقد الرجل الوحيد الذى تعلّمت معه أبجديات الحب على صفحات حُضنه ، لكنها عاشت حياتها كلها تختبر كل أساليب الحزن و طُرق التخلص منه ، وحدها السعادة لم تحسب لها حساباً

الأمر يُشبه أن تجد كنزاً فجأة فتتحول حياتك من العفوية ، التلقائية ، و اللامبالاة إلى نوبات من السهر ، الحراسة المشددة ، القلق ، و شد الأعصاب . رُبما لكل ذلك كان لابد لها أن تتخلى عن جوهرتها العظيمة لتعود مرة أخرى إلى " الفقر " الذى لا تخشى بعده شيئاً .. فهل ترحل !!؟


**


رُبما للحديث بقية

 
posted by Yasmine Adel Fouad at 6:26 PM | Permalink |