" أدهم .. مش هينفع نكمل مع بعض ، أرجوك متحاولش تتصل بيا أو تقابلنى بعد كده ، صدقنى مش مهم أقولك أسبابى لإن عمر العيب ما كان فيك أو حتى فى أى شخص عرفته قبلك ، أنا اللى عمرى ما عرفت أكمّل حاجة عملتها أو حبيتها لحد الآخر . من فضلك ابعتلى ورقة طلاقى على عنوانى القديم و بجد آسفة بس كده أنا هبقى مرتاحة أكتر و إنت كمان هيكون عندك فرصتك تبدأ من جديد مع واحدة تانية .. ياريت متختارهاش شبهى .
ملحوظة : بعتذر إنى بعلنلك قرارى ده فى ورقة معلقهالك على باب التلاجة بس إحنا اتكلمنا كتير و إنت و لا مرة قدرت تستوعب وجهة نظرى و أنا كمان بعترف إنى مقدرتش أضحى عشانك أو حتى عشان علاقتنا .
سارة
آه .. على فكرة أنا فعلاً كنت سعيدة معاك بس المشكلة إنى معرفتش أسعدك "
**
شيئان لم تستطع سارة تعلمهما أبداً : فن الوداع ، و فن الوقوع فى الحب ..
بالطبع لم تكن تعرف ذلك عن نفسها فى البداية ، لكن مع تكرار فشلها الدائم فى كلا الأمرين عرفت عِلّتها و صار الأمر بالنسبة لها عادياً تماماً . تتذكر جيداً أول عهدها بالوداع حين انفصل والديها و قررت أن تعيش مع والدها لا لأن الحق كان معه و لكن لأنها رفضت أن تعيش مع إمرأة لم تستطع أن تنجح فى حياتها الزوجية أو على أسوأ تقدير لم تستطع من البدء أن تختار الرجل المناسب ، رُبما خافت أن تأخذ عنها ذلك . كانت وقتها فى السابعة و لا تعلم حتى الآن كيف جائتها فكرة مثل تلك !
فى يوم رحيل والدتها خرجت منذ الصباح الباكر دون أن تُخبر أحداً ، صعدت فوق سطح المنزل و ظلّت قابعة فوقه حتى تأكدت من أن أمها قد رحلت بالفعل . فسّر الجميع موقفها تفسيراً خاطئاً وقتها و ظنّوا أنها غاضبة من أمها لأنها هى من طلبت الطلاق ، حتى هى ظنت مثلهم ! لكنها بعد مدة من الوقت أدركت أنها لم تفعل ذلك سوى لأنها لا تُجيد الوداع
و رغم أنها ظلت تتنقل بين والدها و والدتها سنوات و سنوات إلا أنها لم تودّع أياً منهما قط ، لا تعرف كيف استطاعت كل تلك المرات أن تتجنب المواجهة المباشرة لكنها فعلت ! اعتادت دوماً أن تُحمِّل نفسها اللوم كاملاً مُفضّلةً خسارة جزءاً صغيراً من روحها مع كل شخص تتركه و ترحل بدلاً من أن تخسره هو لذاته إثر عتاب يُفضى إلى خُذلان .
فكان من الطبيعى أن تضعها تلك العادة فى مواقف تتسبب لها فى خسارة العديدين ، رُبما لأنه كان من الصعب على الكثيرين أن يُفسّروا غيابها المُفاجئ و أحياناً النهائى على أنه عادة أو حتى مرض أكثر من كونه قسوة و أنانية ، فمن عساه سيصدق أنها ما كانت تتفادى المواجهة إلا لتحميهم من هَول الحساب !؟
كل رجل دخل حياتها تركته و رحلت ، مَرَّات لأنها أساءت الاختيار ، و مَرَّات لأن الطرف الثانى أساء هو لنفسه حين اختارها فعفته من الحرج و انصرفت ، غير أن الأكثر كان لأنها لا تُجيد كذلك فن الاستمرار و رُبما كان ذلك هو الإرث الوحيد الذى تركته لها والدتها .
المُدهش أنها حين انفصل والديها أخذت عهداً على نفسها ألا تُشبه أياً منهما سواء والدها الذى تزوج أول إمرأة دخلت حياته بعد الطلاق و استمر معها فقط نكاية فى أمها ليُعلن للجميع أن المشكلة كانت فيها هي ، أو والدتها التى بعد زيجتها الأولى رفضت ان تتزوج مرة أخرى مكتفية من وقت لآخر بمشاريع علاقات أبداً لا تكتمل . لم تكن تعرف أنها ستأخذ أسوأ ما فيهما هما الاثنين .
و ها هى سارة .. تقف فوق عتبات الثلاثين ، إمرأة مُطلقة مرة و فى طريقها للطلاق للمرة الثانية ، لا تستطيع أن تمسك بيدها أى إنجاز حققته و مازال فى حوذتها حتى الآن إلا الرواية الوحيدة التى كتبتها و لم تنشرها و التى تحكى عن إمرأة ترفض باستماتة أن تصبح أماً فينتهى بها الأمر بأن يضعها أقرباؤها قهراً فى مصحة للأمراض النفسية و العقلية . تلك الرواية التى كانت دوماً القشة التى تقصم ظهر أى علاقة تمُر بها .