Wednesday, January 18, 2012
قَـــدَر الأساطير

" لأن أجمل ما فى الأساطير البدايات تبدأ القصص الأسطورية - دوماً - بشكل عفوي ، عبثي ، و غير مُتوقع ، رُبما من هنا تأتى قُدرتها على الإبهار ، فماذا عساه أجمل من قصة تبدأ بدون ترتيب فتبقَ للأبد !؟

الغريب فى الأمر أن الأساطير مهما اختلفت فى تفاصيلها قَدرها واحد و أكيد ، كما لو كان قد كُتب عليها منذ بدء الخلق ألا تكتمل بل تنتهى - كعادتها - نهايات تتراوح ما بين السذاجة و المآساوية رُبما من هنا جاء سر خلودها ، فماذا عساه يبقى أطول من قصة تبدأ على غفلة من القدر و تنتهى على دهشة من أبطالها !؟ "

كانت كل الشواهد تدل على أن قصتهما – منذ البداية - أسطورة لا محالة و لمّا كانت تعرف بما يليق ببطلة قصة سيُخّلدها الزمان قَدَر الأساطير كانت دائمة التفكير فلا يَشغَل خاطرها سوى كيف عساها تكون نهايتهما ! متى ستضرب الحياة ضربتها ! كيف سيتجاوبان مع عنف / فجعة المفاجآة ! و الأهم من منهما سيستسلم أولاً و يترك طرف الخيط للريح !؟

كُنت تجدها تفكر فى هذا الأمر أكثر من تفكيرها فى ما قد تفعل لاستمرار العلاقة ، تَـوَقَّعَت كل السيناريهوات التراجيدية / الدرامية بل و الميلودرامية الممكنة و لطالما كان الشئ الوحيد المشترك هو أنها – دوماً – هى من تترك طرف الخيط و تُلقى بكل ما بنياه خلف ظهرها دون ندم و تمضي

كيف لا وهى إمرأة تشعر بالملل من مجرد فكرة أن تُكمل عملاً حتى آخره ، تتجاوز – طوال الوقت - الحَبكة الدرامية بكل عُقدها و ذبذباتها السلبية و تتوجه صوباً بعد البدايات اللطيفة / الساحرة نحو النهايات ، حتى أنها تفعل ذلك مع الكتب و الأفلام ، هى إمرأة لا تُنهى مشروبها كله فلما تهتم إن لم تتزوج كل النساء !!؟ حتى أنها لا تهتم أن تأكل ما بصحنها حتى آخره ، فما الذي سيحدث إن أكل من طَبَقها الشيطان !!؟

كان من البديهى إذن أن تكون هى من يُقرر متى تنتهي العلاقة خاصةً و أنها لم تكن من اختارت وقت بدايتها ، لذا كانت كل سيناريوهات النهاية فى رأسها لا يختمها سوي مشهد واحد : غلقها للباب خلفها فى صمت لا تحمل سوي حوض سمك الزينة ، خَدش بالروح و غُصّة

**

" مثل كل الأساطير كان أحد أبطالها يحمل سراً يرفض أن يبوح به فما كان من الطرف الثانى سوى الجلوس على فوهة فضوله ينتظر لحظة ذهبية يمنحها له القدر ليفتح كل الأبواب المغلقة و يقرأ كل ما حُـرِّم عليه قرائته حتى و لو كانت ستصيبه كل لعنات الأرض و السماء بعد ذلك فيكفيه أن عرف ما لم يكن عليه معرفته "

لم يطلب منها رَجُلها - منذ بداية علاقتهما - سوى شيئاً واحداً : ألا تَمس ( خاتمه الذهبي ) ذلك الخاتم الذى لم تره بإصبعه قط ، حتى أنه كان دوماً مُلقى فى درج حقير بقاع الدولاب ، كان عليه أن يعرف أنه بتحذيره هذا جعلها لا تريد شيئاً فى حياتها سوي أن تعرف سر هذا الخاتم


لكن لأنها كانت تُحب زوجها و تعرف أن نهاية قصتهما على حافة سنتيمترات من ذلك الخاتم اللعين قاومت و قاومت و قاومت ، غير أنها كانت لا تترك مناسبة سوى و تطلب منه فيها أن يُخبرها السر ، حتى أنها بحماقة إمرأة تقليدية شككت فى حُبه لها و ربطت بين ذلك و ذاك .. فما كان منه سوى أن أخبرها بنصف اللغز


عرفت وقتها منه أن ذلك الخاتم فى الأصل مجرد خاتم نحاسى ، ورث عائلي منذ جدود الجدود ، و أن هناك حكاية قديمة تقول أن كل من يملك هذا الخاتم له أمنية واحدة متى أخبرها للخاتم يتغير لونه فيصبح ذهبياً وقتها لا يُمكن للأمنية أن تتغير إلا بتغيّر مالك الخاتم و أن تلك الأمنية لا تتحقق إلا فى حالة وحيدة : ألا يعرفها أحد سوى صاحبها و أى شخص آخر يرتدى الخاتم سيعرف الأمنية فوراً لتنتهى كل فرصها فى التحقق و يعود الخاتم مرة أخرى للون النحاسي منتظراً من صاحبه الجديد أن يتمنى شيئاً جديداً فالأمنيات لا يجوز لها أن تتكرر مرتين

و لمّا كان عليها ألا تعرف أمنية زوجها كى تتحقق زاد ذلك من فضولها ، كانت تريد أن تعرف هل تمنى أمنيته هذه قبل أن يعرفها أم و هما معاً !؟ أعساها تكون طرفاً بأمنيته هذه أم أنها شيئاً يخصه وحده !؟ تُرى هل تتعلق تلك الأمنية بإمرأة أخرى أم أنه حتى الآن لم يتمنَ شيئاً بعد !!؟

ظلت تحترق بنار أسئلتها الكثيرة حتى جاء اليوم الذى لم تعد تستطيع بعده الانتظار ، توجهت فوراً نحو ضالتها ، أمسكت الخاتم و ما أن ارتدته حتى رنّت بأرجاء الغرفة أمنية الرجل الذى أحبته وقتها فقط .. بَكَت ، بكَت لأنها لم تتخيل أن تكون تلك هى أمنيته الأهم ، بَكَت لأنها ظنت به سوءاً بينما كان هو لا يهتم إلا بها ، بَكت لأن الخاتم عاد نحاسياً و الآن سينتهى كل شئ

**

" كعادة كل الحكايات الخرافية .. قبل النهايات يَخفُت الآداء ، تزداد العتمة ، و يمر كل شئ سريعاً ، و من ثَمّ تظهر حلولاً لكل المشكلات أو تتعقد كل الأمور أكثر فيرى كل إمرؤ الأبعاد الحقيقية لكل ما حدث ليُدرك المُخطئ هَول فِعله الفاحش و قبل أن يُكَّفِّر عما ارتكب ينكشف كل شئ و ينسدل الستار كما يليق بأساطير قَدرها النهايات "

أعادت الخاتم لمكانه الأول بعد أن تمنت أى شئ كى يعود لونه ذهبياً و حاولت أن تتناسى الأمر هكذا ظلت الحقيقة لا يعرفها أحد سواها ، لكنها لم تسترح و بقت طوال الوقت لا تفعل سوى شيئين إما أن تترقب لحظة الاكتشاف و تُحاول أن تتأهب لها أو أن تمارس كل أساليب القهر على نفسها من فرط شعورها بالحِنق / الحزن و الذنب

حتى كان اليوم الذى رأته يقترب فيه منها بعينين دامعتين و غضب مكتوم يقول لها أن قصتهما معاً انتهت ، و لأن الأمر كان قد مضى عليه الكثير لم تستنتج السبب و بمنتهى الاستنكار و الصدق سألته : لماذا ؟ فما كان منه سوى أن ردد لها أمنيته القديمة فأُسقط فى قلبها ، أشاحت بنظرها بعيداً و توجهت ببطء نحوه ، احتضنته و رددت من خلف دموعها الكثيرة : أنا آسفة .. و رحلت ، رحلت من دون حوض السمك فقط تحمل شرخاً بالروح و غُصَّة

 
posted by Yasmine Adel Fouad at 6:35 AM | Permalink |